الأحد، 15 يناير 2012

السادية والمازوشية - الجزء الأول -


منذ بدء التجمعات البشرية عرف الإنسان أحاسيس متناقضة نابعة عن علاقته بالآخرين وإنفعالاته تجاههم من هذه الأحاسيس ما كان مألوفاَ واعتبر في حينه طبيعياَ ومنها ما كان محصوراَ بفئة معينة واعتبر شاذاَ أو محظوراَ كالميل الى الجنس المماثل أو التلذذ بإلحاق الآلم بالآخرين (السادية) أو التلذذ بالألم (الماسوشية). وقد يتوهم كثير من الناس بأن السادية والمازوشية أمراض جنسية حديثة ظهرت في القرون الأخيرة، بينما حقيقة الأمر إنها موجودة منذ أن ظهر الإنسان للوجود.
فهي ظاهرة قديمة كما تدلل عليها الآثار من عصور غابرة. غير أن فرز الظاهرة وإعطاءها التسمية هو أمرحديث العهد.
ترى ماهي السادية؟
وماهي المازوشية؟
وهل هي أمراض مقبولة من المجتمع أم هي عار على من يمارسها؟
وهل يمكن تخليص المصاب منها ليعود الى الحالة السوية؟وهل هي من الأمراض الجنسية أم من الأمراض العادية ؟
بادئ ذي بدء لابد من إعطاء تعريف عام لكل من السادية والمازوشية متفق عليه.
فالسادية هي التلذذ بإيقاع الألم على الطرف الآخر. في حين أن الماشوسية هي التلذذ بإلام الذات من طرف آخر. ولنأتي على كل من هذين المصطلحين بنوع من التوضيح ونلقي الضوء عليهما.                
1- السادية: هي الحصول على اللذة والمتعة بتعذيب الآخرين أوبتعذيب شريكه في العملية الجنسية وهذا شرط أساس لأثارة الرغبة الجنسية ثم الوصول الى الذروة (الرعشة) عند الشخص السادي إذ تختلط نزعتي الجنس والعدوان أثناء العمل الجنسي.
ينسب مصطلح السادية الى الروائي الماركيز دي ساد (1740-1814) وهو ضابط فرنسي إذ إشتهر ساد بمؤلفاته ذات المحتوى العنيف في الممارسات الجنسية والوصول إلى الذروة لدى شخصيات الرواية.
ولعل أشهر رواياته(جوستين وجوليت) المعروفة بإسم(لعنة الفضيلة ولعنة الرذيلة) والتي تحبب العنف في الممارسات الجنسية . وقد سجن ساد عدة مرات بسبب التعامل االوحشي مع النساء في أثناء ممارسته الجنسية معهن أو لإغتصابه الكثيرمن الفتيات الصغيرات بطريقة تميزت بالعنف الشديد في أثناء العملية. ولا يقتصرالتلذذ هنا فقط في أثناء العملية الجنسية’ فالسادي يتلذذ أيضا بمشاهدة أفلام القوة وعذاب الآخرين ومعاناتهم ، والتمتع برؤية الدم ومشهد القتل , وقد يصل إلى اللذة في أثناء تلك المشاهدة حتى وإن لم يكن هناك موقفاَ مباشراَ. فخروج دفعات العنف لها طعم خاص لدى الشخصية السادية. كما إن بعض النساء الساديات لديهن إحساس عميق بألذنب أو القلق أو الخوف.
وتظهر آثار السادية لدى الإنسان في مرحلة الطفولة عندما يتلذذ الطفل بتعذيب أو قتل الحيوانات الأليفة مثل قتل العصافير أو نتف ريشها أو قطع ذنب القطط أو قتلها وغير ذلك. فيعتاد على لذة من هذه التصرفات التي قد تتطور الى الحالة السادية.
وقد تبقى تصرفاته السادية على الوتيرة نفسها أو قد تزداد خطورة بمرور الوقت. وقد يصاب بها المرء وهو حدث صغير .
ولايشترط أن تكون الضحية من الجنس نفسه.فقد يكون حيواناَ وطفلاَ وحسب إرتباط السادي على التوالي بالجنسية المثلية واشتهاء الأطفال أو الحيوانات .    
والسادية على أنواع: فهي أما سادية مقبولة تبقى في الفكر ولا تتعدى حالة إستفزاز الشريك, أو هي سادية متوسطة خفيفة يتم فيها التحكم بحدود العذاب ومدى خطورته. أو هي سادية إجرامية قد تصل الى حد جريمة القتل حيث تكون السادية بذلك مظهراَ من مظاهر التعبير عن الطاقة الجنسية غير المستنفذة بشكل كاف بالطرق الجنسية المباشرة .
والسادية ليست حالة نادرة فمعظم الحوادث التي تكتشفها الشرطة من وقت لآخر تؤكد إنتشارها بالرغم من عدم وجود إحصائية تدل على ذلك فالسادية محاولة لاظهار العظمة والقوة التي تكون متدهورة في الداخل، ولاتكون للسادي الثقة في قدرته الجنسية.
والسادية نوع من الأضطراب يظهر جلياَ في الممارسات الجنسية ويحدث بتكرار خيالات أو رغبات جنسية تتصف بالشدة الألحاح وهناك طرق عدة يبديها السادي لغرض التلذذ منها: وخز الطرف الآخر بالآبر أوعضه أوضربه أوسحب شعره بقوة أوشتمه ووصفه بألفاظ سيئة (وهذا ألم نفسي).
وقد يدوسه بحذاءه وقد يستعمل الفم والشفتين والأسنان كأدوات للعدوان والسيادة والآشباع الجنسي والتلذذ بتوسلاته وصراخه.
ويصل أحياناَ الطريق الى وصول اللذة درجة القتل بطرق مختلفة وحسب الشخص السادي. وقد تظهر السادية لدى الشحص بممارسات إجتماعية بعيدة عن أنماط الممارسة الجنسية وهي:
-إستخدام الوحشية والعنف مع الآخرين بهدف السيطرة.
- إهانة وإحتقار شخص بحضور آخرين (كالذي يحدث عند إستنقاص الزوجة لزوجها وتجريحه أو بالعكس أمام الآصدقاء أو الآقارب).
- معاملة المرؤسين بخشونة مثل مايحصل للأطفال والتلاميذ والسجناء في السجون وللمرضى في المستشفيات, والخدم..الخ .
- الإستمتاع بمعانات الآخرين النفسية والجسدية بما في ذلك التلذذ بتعذيب الحيوانات.
- الكذب من أجل إيذاء الآخرين والتسبب في إيلامهم (كالذي تفعله الزوجة الثانية ضد أطفال الزوجة الأولى المطلقة أو المتوفاة خاصة عندما يكونون تحت رحمتها).
ولتفادي ظهور السادية عند الأطفال يتم عبر التربية الصحيحة للطفل وعدم إستخدام أسلوب القسوة والعنف والحزم الشديد والحياة الروتينية المملة التي لايستطيع الطفل الخروج منها. وعدم إستعمال العقاب النفسي للطفل. وتجنب تحسيسه بعقدة الذنب.
- إجبار الآخرين على القيام بما يريده الشخص المصاب بالسادية عن طريق تخويفهم أوتهديدهم بفضيحة أو ما إلى ذلك تقييد حرية الآشخاص اللذين لهم علاقة بالمصاب فهو مثلاَ لايسمح لزوجته بمغادرة المنزل دون إذن منه وبعد توسلات. أو عدم السماح لبناته بحضور مناسبة إجتماعية.
وقد يقوم بحبس الأولاد داخل البيت كعقوبة تأديبية .
- التلذذ بمشاهدة أفلام القتل والعنف ومشاهدة عروض المصارعة من النوع القاسي والتي يؤدي الى هلاك المصارعين أحياناَ. وقد يطلق العنان لخياله في أثناء خلوته فيتصور أمور مؤذية للآخرين تشعره بالسطوة.
يعاني الشخص السادي من الآثار السلبية المزمنة لشخصيته بما في ذلك القلق، الخوف، التوتر ، الهيجان، الغضب،الأكتئاب، فقدان الأمل ،الشعور بالذنب ، العيب ، وصعوبة السيطرة على الدوافع كالأكل والشرب وإنفاق المال، .كما إنه يعاني من اللأفكار غير المنطقية مثل التشاؤم غير المبرر والهواجس التي لاأساس لها، وعدم الحيلة والإعتماد على الآخرين لتقديم الدعم وإتخاذ القرارات.
وقد يشعر بحب الهيمنة المفرطة وعدم القدرة على قضاء الوقت وحيداَ. كما إنه يسعى الى المجازفة والمحاولات غير الصحيحة للهيمنة والسيطرة على الآخرين، والسعي الى رسم البيئة بحسب مزاجه. ويتميز السادي أيضاَ بالخيال الواسع وأحلام اليقظة والإفتقار الى الواقعية والإعتقاد بالأشباح وسهولة التعرض للكوابيس.
من ناحية اخرى فهو مصاب بجنون العظمة.
والإستهزاء بالآخرين وعدم الثقة بهم وحتى بأقرب الأصدقاء لديه أو لدى أفراد عائلته، يحب الشجار ،يمارس الكذب، يكره الأصدقاء ،ومحدود في االدعم الإجتماعي ولا يحترم الإتفاقيات والمواثيق الإجتماعية. وهو وسواس شديد التدقيق، ويتميز بالحرص على النظافة والترتيب والإنضباط وحب السيطرة على الآخرين، والسعي لتولي القيادة والمسؤولية وكراهيته لكل شيء لايمتلكه. ويوقع العذاب على من يتحدى سلطته، ويعمل بمبدا الغاية تبرر الوسيلة (وهو مبدأ ميكافيلي).                                                                                            
ولقد عانى الكثير من شعوب العالم من جرائم حكامهم الساديين والذين حكموهم بفترات مختلفة عبرالعصور. والأمثلة كثيرة لدى القارئ.
فقد عمد بعضهم متلذذاَ الى دفن الناس وهم أحياء او تعريضهم للإبادة الجماعية بمختلف الوسائل متلذذين بذلك، إن للسادية مساحات أخرى ومناطق للظهور تبدأ بسيطة إعتيادية وتنتهي بنهايات يعدها العلماء شذوذاَ أو يعدها القانون جريمة، فعملية قرص خدي طفل جميل طليق اللسان محبوب بديهي التصرف حتى يبدأ بالصراخ وربما البكاء قد يدخل المتعة في نفس الفاعل وتلك هي أولى خطوات السادية أو بألأصح السادية المقبولة أو الطبيعية ثم تتطور لتأخذاشكالاَ أخرى تحدث إيلاماَ وأذى واضحاَ لدى الآخرين وتصبح شذوذاَ بعد أن كانت حالة مقبولة.
...يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق